الثلاثاء، يناير 04، 2011

اوراق العمر




سنوات العمر كأوراق الشجر كل يوم تقع ورقه الى ان تنتهى الاوراق .. وتصبح الذكرى هى الباقية فى الوجدان لأناس طالما احببناهم وطالما انسنا بوجودهم معنا ، اليوم يمر عاما اخر على ذكراهم وتتذكر نوال كيف كان اباها قبل الرحيل وهى صغيرة وهو دائما معها ، يلعب معها ويذاكر لها دروسها وينصحها ويأخذها فى نزهات دائما ما كانت تسعدها وتمتعها.

تدهورت صحة اباها ولكن ببطء شديد وكأن الاوراق لا تريد السقوط ، كان يحب ابنته بشدة ويخاف عليها من نسمه الهواء ، وبعد رحيل والدتها التى كان يعشقها ويهواها اصبحت هى كل شئ فى هذة الدنيا بالنسبه له ، كثيراً ما نصحوه الاقارب ان يتزوج لكى يجد امراءة تهتم به وبأبنته ولاكنه كان يرفض وبشدة بل كان يكرة الكلام فى ذالك الموضوع وفاءً لزوجته الحبيبه.

كانت نوال تشبه امها فى كل شئ شكلها ومظهرها وحتى طفولتها البريئة وطيبتها وحبها وخوفها على ابيها اخذت كل شئ من امها وكأنها نسخه من امها ، كان سعيد بها وكان دائما ما يحكى لها عن امها وعن الطرائف التى كانت بينهم وعن الاشياء التى كانت كلما تسمعها تضحك فيجدها تضحك وبنفس ضحكه امها فيقول فى سرة : سبحان الله ، هو القادر على كل شئ ، اخذ زوجتى ولاكنه لم يرد ان يحرمنى منها فأعطانى ابنتى فالحمد لله والشكر لله .

كان رجل صالح يؤمن بالله ويصلى دائما بالمسجد ، علم ابنته تعاليم دينها وكان لها دائما بمثابه اب واخ وصديق ، افتقدته بشدة وافتقدت حبه وحنانه ورعايته لها ، احست بالوحدة بعد رحيله على الرغم من ان عائلتها كبيرة الا انها كانت مرتبطه جداً بأبيها فلم يؤنسها احد بعده ولم يملأ هذا الفراغ احد بعده.

الى ان رأته زميلها فى الدراسه الجامعية كانت نوال قد انهت بالفعل سنوات دراستها الاربع ولاكنها كانت تكمل الدراسات العليا فرأته معها كانت تجمعهما الدراسه والمذكرات والمحاضرات واخذ كل منهم يتقرب للآخر دون ان يدرى أى منهم ماذا يكن للأخر ، اخذها من دوامه الاحزان التى كانت فيها واخرجها من شرنقه العزله الى دنيته الواسعه ، اطلعته على كل ما مر بها من احزان وكانت دائما ما تحكى له عن يومها وكان يحكى لها عن حياته والمواقف التى يمر بها وكان ايضاً يسألها رأيها فى أمورة الشخصيه ، جمعت بينها مودة لا حدود لها ووجدت به حنان ابيها ووجد فيها الحب الذى كان يتمناه ، فاجأها يوماً بطلب يدها ، قضيت معه اجمل قصه حب وعبيرها كان اجمل من كل قصص الحب التى قرأت عنها او تخيلتها فكان الواقع اجمل من الخيال بالنسبه لها، وهو الذى عبق ايامها بعطور من الورد والفل والياسمين ، وهو الذى اقتحم اسوار مدنها العالية شامخ الرأس ممتطى جوادة الاصيل كى يخطفها، يخطف محبوبته من مدن الحزن التى كانت تسكنها الى مدن الفرح والاحلام.


انتهت فترة الخطوبه القصيرة وتزوجا، رضيت براتبه القليل ولم تعترض او تشكو ، ورضيت ان تسكن مع حماتها نظراً لاسعار الشقق الخيالية وقتها ولانهم لم يكن معهم حينها ربع ثمن شقه صغيرة حتى ، كانت تعمل بجانب عمله لكى تساعدة فى مصاريف المنزل وكانت تساعدة بحب متفانى وتسهر على راحته ووالدته احبتها وكأنها ابنتها التى لم تلدها .

كانت دائما تحلم ان تنجب طفلا ولكن الله لم يرزقها بالانجاب زارت العديد من العيادات وعملت الكثير من الاشعه والتحاليل ولاكن بلا فائدة فكانت اجابه كل الاطباء التى ذهبت اليهم انها عقيم ولا يمكن ان تنجب ، رضيت بقضاء الله وقدرة ولم تتذمر لان ايمانها كان كبيراً ، فلم تشغل بالها كثيرا بالاطفال وصرفت تفكيرها عنهم واهتمت اكثر بزوجها الحبيب وشجعته فى دراسته الى ان اكمل رساله الدكتوراه وطلبته الكليه ليدرس بها وكانت هذة بالنسبه لهم فرحه العمر التى تمنوها وانتظروها بفارغ الصبر والتى تمنتها فى سرها وجهرها وكانت تدعو بها الله فى كل صلاه الى ان من بها الله عليهم ، لانها كانت تعلم ان هذا كان حلما لحبيبها ان يصبح دكتوراً يوما ما .

كان يغيب عنها طوال النهار فى الجامعه ويرجع لها فى المساء منهك ومتعب ورغم ذالك عملت على راحته فكانت تساعدة فى ابحاثه فتترجم له اوراق تحتاج الى الترجمه وتكتب له ابحاث على الحاسب وكانت تبحث له فى الانترنت على كل ما يحتاج اليه من مراجع وابحاث جديدة . بدأت تقل بينهم المناقشات تدريجياً واصبحت تحس ببعدة وعدم اشتياقه اليها وكلما مرت الايام والشهور تكبر الفجوة بينهم ، وحتى بريق عينيه لم يعد موجود ، حاولت اكثر من مرة ان تلفت نظرة من خلال حديثها ولاكنه لم يشغل بالاً ، ولم تيأس بل حوالت كثيراً ان تشمله بعواطفها واحساسها بالحب والحنان ولاكنه كان يقابله بالتعب والنوم العميق ، ولا يلاحظ الشموع المنارة هنا ولا حتى العشاء المعد خصيصاً لهذة الامسيه ولا يلاحظ حتى زينتها .

لم تعرف طريقاً لراحه البال ، والدموع اصبحت رفيقه لها فى الليالى الحزينه حتى نسمات الهواء اصبحت ثقيله ، واصبحت رأسها مليئة بالتساؤلات


هل من الممكن ان يذهب كل ذلك الحب ادراج الرياح ؟


اين البريق الذى كان يشع من عينيه ؟


هل من الممكن ان تذهب كل الليالى الجميله بلا عودة ؟


هل نسى حبى له وتضحياتى ؟


هل اصبحت بلا قيمه عندة ؟

لم تعد لها شهيه للأكل او الاستمتاع بأى شئ بدون حبيبها ، فاصبح عودها نحيلا ، حتى الامراض لم تعد تتداوى منها ، احست بالاكتئاب الشديد ، وهو لم يسألها حتى عن احوالها بل حتى لم يلاحظ مرضها ، لم تطاوعها نفسها على اخبارة بمرضها ، لانها لم تكن تريد ان ينشغل باله عليها او انها لم تكن تريد ان ترى نظرة الشفقه عليها من عينيه التى اصبحتا قاسيتين ، لم تكن تريد استراج عطفه عليها بمرضها ومعاناتها ، كانت تعتقد ان حبه لها سيدوم حتى بعد الموت ولاكن الحب هو الذى مات قبل ان يحين الاجل .


معاناتها تزايدت عليها يوما بعد يوم وهو لا يعلم من الامر شيئاً ، وكأنه طردها
من مدنه "مدن السعادة " وامرها بلا رحمه ولا شفقه ولا حتى عرفان بجميلها ان تذهب ولا تعود ، ولم يكن معها حق الاعتراض فهى عقيم .


جاءتها مكالمه تلفونيه يوما على غير العادة فمنذ زمن طويل وهاتفهم صامت لا يتصل عليه احد فاجابت الهاتف فرد عليها صوت انثوى

- انا واحدة متعرفيهاش لاكن حبيت ابلغك ان الدكتور جوز حضرتك اتجوز عليكى واحدة من دور ولادة طالبه عندة فى الكليه . ووضعت السماعه.


انهارت أمل فى البكاء الشديد ولم تعرف كيف تتصرف ، لم تكن ابدا تتوقع ان يفعل ذلك ، صارحها كثيراً انه لا يشغل باله موضوع الاطفال ، وطلبت منه وقتها ان يتزوج بأخرى فقال لها انه امر مرفوض تماماً وانها حبه الاول والاخير وانه لن يفعل ذلك ابداً.


هل كان يخدعنى ؟

هل كان كل هذا الوقت يفكر فى الاطفال ويكذب على؟


لماذا لم يصارحنى ؟


لماذا الآن يفعل وبدون اعلامى ؟


اسئلها كثيرة جدا دارت بخلدها ، واجهته بها ولم ينكر ذلك بل صارحها بانه يريد طلاقها ، فوجئت من طلبه او صدمت وكأنه يقول لها اريدك ان تنتهى من حياتى ، لم تضعف امامه ولم تبكى تركت له المنزل وذهبت لمنزل ابيها لكى لا تهدر ما بقى لها من كرامه ، وعندما ارسل اليها بورقه الطلاق وقعت اسيرة غيبوبه طويله ، عندما سمع بهذا الخبر ذهب مهرولاً اليها فى المستشفى وحاولو منعه ولاكنه دخل اليها وكانت اخر مرة يراها لان حالتها ازدادت سوءً ولكنها احست به عندما دخل عليها ,وكأن اخر ورقه من عمرها ابت ان تسقط الا امام عينيه ومع اخر نفس خرج منها وهى تقول له " مازلت احبك " لكى يبقى طوال عمرة يتعذب على ما فعله معها ، ويندم على قتله للحب الجميل الصادق المتمثل فى أمل.

هناك تعليق واحد:

  1. أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا... يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ

    ردحذف